فصل: فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي عَبْسٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ مُحَارِبٍ:

وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ مُحَارِبٍ عَامَ حِجّةِ الْوَدَاعِ وَهُمْ كَانُوا أَغْلَظَ الْعَرَبِ وَأَفَظّهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تِلْكَ الْمَوَاسِمِ أَيّامَ عَرْضِهِ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ فَجَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ نَائِبِينَ عَمّنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فَأَسْلَمُوا وَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِيهِمْ بِغَدَاءٍ وَعَشَاءٍ إلَى أَنْ جَلَسُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا مِنْ الظّهْرِ إلَى الْعَصْرِ فَعَرَفَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَمَدّهُ النّظَرَ فَلَمّا رَآهُ الْمُحَارِبِيّ يُدِيمُ النّظَرَ إلَيْهِ قَالَ كَأَنّك يَا رَسُولَ اللّهِ تُوهِمُنِي؟ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُك قَالَ الْمُحَارِبِيّ: أَيْ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي وَكَلّمْتنِي وَكَلّمْتُك بِأَقْبَحِ الْكَلَامِ وَرَدَدْتُك بِأَقْبَحِ الرّدّ بِعُكَاظٍ وَأَنْتَ تَطُوفُ عَلَى النّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ ثُمّ قَالَ الْمُحَارِبِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَانَ فِي أَصْحَابِي أَشَدّ عَلَيْكَ يَوْمَئِذٍ وَلَا أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنّي فَأَحْمَدُ اللّهَ الّذِي أَبْقَانِي حَتّى صَدّقْتُ بِك وَلَقَدْ مَاتَ أُولَئِكَ النّفَرُ الّذِينَ كَانُوا مَعِي عَلَى دِينِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذِهِ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَقَالَ الْمُحَارِبِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَغْفِرْ لِي مِنْ مُرَاجَعَتِي إيّاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْإِسْلَامَ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْكُفْرِ ثُمّ انْصَرَفُوا إلَى أَهْلِيهِمْ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ صُدَاءَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ صُدَاءَ وَذَلِكَ أَنّهُ لَمّا انْصَرَفَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ بَعَثَ بُعُوثًا وَهَيّأَ بَعْثًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً أَبْيَضَ وَدَفَعَ إلَيْهِ رَايَةً سَوْدَاءَ وَعَسْكَرَ بِنَاحِيَةِ قَنَاةٍ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَطَأَ نَاحِيَةً مِنْ الْيَمَنِ كَانَ فِيهَا صُدَاءُ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَعَلِمَ بِالْجَيْشِ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُك وَافِدًا عَلَى مَنْ وَرَائِي فَارْدُدْ الْجَيْشَ وَأَنَا لَك بِقَوْمِي فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ وَخَرَجَ الصّدَائِيّ إلَى قَوْمِهِ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقَالَ سَعْدُ بْن عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْهُمْ يَنْزِلُوا عَلَيّ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ فَحَيّاهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ وَكَسَاهُمْ ثُمّ رَاحَ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالُوا: نَحْنُ لَك عَلَى مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا فَرَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ فَفَشَا فِيهِمْ الْإِسْلَامُ فَوَافَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ ذَكَرَ هَذَا الْوَاقِدِيّ عَنْ بَعْضِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصّدَائِيّ أَنّهُ الّذِي قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ اُرْدُدْ الْجَيْشَ وَأَنَا لَك بِقَوْمِي فَرَدّهُمْ قَالَ وَقَدِمَ وَفْدُ قَوْمِي عَلَيْهِ فَقَالَ لِي: يَا أَخَا صُدَاءَ إنّكَ لَمُطَاعٌ فِي قَوْمِكَ؟ قَالَ قُلْتُ بَلْ يَا رَسُولَ اللّهِ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَمِنْ رَسُولِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ فَاعْتَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْ سَارَ لَيْلًا وَاعْتَشَيْنَا مَعَهُ وَكُنْت رَجُلًا قَوِيّا قَالَ فَجُعِلَ أَصْحَابُهُ يَتَفَرّقُونَ عَنْهُ وَلَزِمْتُ غَرْزَهُ فَلَمّا كَانَ فِي السّحَرِ قَالَ أَذّنْ يَا أَخَا صُدَاءَ فَأَذّنْتُ عَلَى رَاحِلَتِي ثُمّ سِرْنَا حَتّى ذَهَبْنَا فَنَزَلَ لِحَاجَتِهِ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ يَا أَخَا صُدَاءَ هَلْ مَعَك مَاءٌ؟ قُلْت: مَعِي شَيْءٌ فِي إدَاوَتِي فَقَالَ هَاتِهِ فَجِئْت بِهِ فَقَالَ صُبّ فَصَبَبْتُ مَا فِي الْإِدَاوَةِ فِي الْقَعْبِ فَجُعِلَ أَصْحَابُهُ يَتَلَاحَقُونَ ثُمّ وَضَعَ كَفّهُ عَلَى الْإِنَاءِ فَرَأَيْت بَيْنَ كُلّ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ ثُمّ قَالَ يَا أَخَا صُدَاءَ لَوْلَا أَنّي أَسْتَحِي مِنْ رَبّي عَزّ وَجَلّ لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا ثُمّ تَوَضّأَ وَقَالَ أَذّنْ فِي أَصْحَابِي مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِالْوُضُوءِ فَلْيَرِدْ قَالَ فَوَرَدُوا مِنْ آخِرِهِمْ ثُمّ جَاءَ بِلَالٌ يُقِيمُ فَقَالَ إنّ أَخَا صُدَاءَ أَذّنَ وَمَنْ أَذّنَ فَهُوَ يُقِيمُ فَأَقَمْت ثُمّ تَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَلّى بِنَا وَكُنْتُ سَأَلْتُهُ قَبْلُ أَنْ يُؤَمّرَنِي عَلَى قَوْمِي وَيَكْتُبَ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا فَفَعَلَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَامَ رَجُلٌ يَتَشَكّى مِنْ عَامِلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ أَخَذَنَا بِذُحُولٍ كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ ثُمّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِي مِنْ الصّدَقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ لَمْ يَكِلْ قِسْمَتَهَا إلَى مَلَكٍ مُقَرّبٍ وَلَا نَبِيّ مُرْسَلٍ حَتّى جَزّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْتَ جُزْءًا مِنْهَا أَعْطَيْتُك وَإِنْ كُنْتَ غَنِيّا عَنْهَا فَإِنّمَا هِيَ صُدَاعٌ فِي الرّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ خَصْلَتَانِ حِينَ سَأَلْت الْإِمَارَةَ وَأَنَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَسَأَلْتُهُ مِنْ الصّدَقَةِ وَأَنَا غَنِيّ عَنْهَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَانِ كِتَابَاك فَاقْبَلْهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِمَ؟ فَقُلْت: إنّي سَمِعْتُك تَقُولُ لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ وَأَنَا مُسْلِمٌ وَسَمِعْتُك تَقُولُ مَنْ سَأَلَ مِنْ الصّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيّ عَنْهَا فَإِنّمَا هِيَ صُدَاعٌ فِي الرّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ وَأَنَا غَنِيّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا إنّ الّذِي قُلْتُ كَمَا قُلْتُ فَقَبِلَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ لِي: دُلّنِي عَلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِكَ أَسْتَعْمِلُهُ فَدَلَلْتُهُ عَلَى كَانَ الشّتَاءُ كَفَانَا مَاؤُهَا وَإِذَا كَانَ الصّيْفُ قَلّ عَلَيْنَا فَتَفَرّقْنَا عَلَى الْمِيَاهِ وَالْإِسْلَامُ الْيَوْمَ فِينَا قَلِيلٌ وَنَحْنُ نَخَافُ فَادْعُ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَنَا فِي بِئْرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَاوِلْنِي سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَنَاوَلْته فَعَرَكَهُنّ بِيَدِهِ ثُمّ دَفَعَهُنّ إلَيّ وَقَالَ إذَا انْتَهَيْتَ إلَيْهَا فَأَلْقِ فِيهَا حَصَاةً حَصَاةً وَسَمّ اللّهَ قَالَ فَفَعَلْت فَمَا أَدْرَكْنَا لَهَا قَعْرًا حَتّى السّاعَةِ.

.فَصْلٌ فِي فِقْهِ هَذِهِ الْقِصّةِ:

فَفِيهَا: اسْتِحْبَابُ عَقْدِ الْأَلْوِيَةِ وَالرّايَاتِ لِلْجَيْشِ وَاسْتِحْبَابُ كَوْنِ اللّوَاءِ أَبْيَضَ وَجَوَازُ كَوْنِ الرّايَةِ سَوْدَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَفِيهَا: قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّ الْجَيْشَ مِنْ أَجْلِ خَبَرِ الصّدَائِيّ وَحْدَهُ. وَفِيهَا: جَوَازُ سَيْرِ اللّيْلِ كُلّهِ فِي السّفَرِ إلَى الْأَذَانِ فَإِنّ قَوْلَهُ اعْتَشَى أَيْ سَارَ عَشِيّةً وَلَا يُقَالُ لِمَا بَعْدَ نِصْفِ اللّيْلِ. وَفِيهَا: جَوَازُ الْأَذَانِ عَلَى الرّاحِلَةِ. وَفِيهَا: طَلَبُ الْإِمَامِ الْمَاءَ مِنْ أَحَدِ رَعِيّتِهِ لِلْوُضُوءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ السّؤَالِ. وَفِيهَا: أَنّهُ لَا يَتَيَمّمُ حَتّى يَطْلُبَ الْمَاءَ فَيُعْوِزَهُ. فَوَرَانُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا مِنْ خِلَالِ اللّحْمِ وَالدّمِ. وَفِيهَا: الْمُعْجِزَةُ الظّاهِرَةُ بِفَوَرَانِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ لَمّا وَضَعَهَا فِيهِ أَمَدّهُ اللّهُ بِهِ وَكَثّرَهُ حَتّى جَعَلَ يَفُورُ مِنْ خِلَالِ الْأَصَابِعِ الْكَرِيمَةِ وَالْجُهّالُ تَظُنّ أَنّهُ كَانَ يَشُقّ الْأَصَابِعَ وَيَخْرُجُ مِنْ خِلَالِ اللّحْمِ وَالدّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنّمَا بِوَضْعِهِ أَصَابِعَهُ فِيهِ حَلّتْ فِيهِ الْبَرَكَةُ مِنْ اللّهِ وَالْمَدَدِ فَجَعَلَ يَفُورُ حَتّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ وَقَدْ جَرَى لَهُ هَذَا مِرَارًا عَدِيدَةً بِمَشْهَدِ أَصْحَابِهِ.

.سُنّيّةُ الْإِقَامَةِ لِمَنْ أَذّنَ:

وَفِيهَا: أَنّ السّنّةَ أَنْ يَتَوَلّى الْإِقَامَةَ مَنْ تَوَلّى الْأَذَانَ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَذّنَ وَاحِدٌ وَيُقِيمَ آخَرُ كَمَا ثَبَتَتْ فِي قِصّةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ لَمّا رَأَى الْأَذَانَ وَأَخْبَرَ بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ ثُمّ أَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا رَأَيْت أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ قَالَ فَأَقِمْ فَأَقَامَ هُوَ وَأَذّنَ بِلَالٌ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ.

.جَوَازُ تَأْمِيرِ الْإِمَامِ وَتَوْلِيَتِهِ لِمَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ إذَا رَآهُ كُفْئًا:

وَفِيهَا: جَوَازُ تَأْمِيرِ الْإِمَامِ وَتَوْلِيَتِهِ لِمَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ إذَا رَآهُ كُفْئًا وَلَا يَكُونُ سُؤَالُهُ مَانِعًا مِنْ تَوْلِيَتِهِ وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إنّا لَنْ نُوَلّيَ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَه فَإِنّ الصّدَائِيّ إنّمَا سَأَلَهُ أَنْ يُؤَمّرَهُ عَلَى قَوْمِهِ خَاصّةً وَكَانَ مُطَاعًا فِيهِمْ مُحَبّبًا إلَيْهِمْ وَكَانَ مَقْصُودُهُ إصْلَاحَهُمْ وَدُعَاءَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَرَأَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ مَصْلَحَةَ قَوْمِهِ فِي تَوْلِيَتِهِ فَأَجَابَهُ إلَيْهَا وَرَأَى أَنّ ذَلِكَ السّائِلَ فَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ لِلّهِ وَمَنْعُهُ لِلّهِ. وَفِيهَا: جَوَازُ شِكَايَةِ الْعُمّالِ الظّلَمَةِ وَرَفْعِهِمْ إلَى الْإِمَامِ وَالْقَدْحِ فِيهِمْ بِظُلْمِهِمْ وَأَنّ تَرْكَ الْوِلَايَةِ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الدّخُولِ فِيهَا وَأَنّ الرّجُلَ إذَا ذَكَرَ أَنّهُ مِنْ أَهْلِ الصّدَقَةِ أُعْطِيَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِلَافُهُ. وَمِنْهَا: أَنّ الشّخْصَ الْوَاحِدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ صِنْفًا مِنْ الْأَصْنَافِ لِقَوْلِهِ إنّ اللّهَ جَزّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْتَ جُزْءًا مِنْهَا أَعْطَيْتُك وَمِنْهَا: جَوَازُ إقَالَةِ الْإِمَامِ لِوِلَايَةِ مَنْ وَلّاهُ إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: اسْتِشَارَةُ الْإِمَامِ لِذِي الرّأْيِ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَنْ يُوَلّيهِ.

.جَوَازُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُبَارَكِ:

وَمِنْهَا: جَوَازُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُبَارَكِ وَأَنّ بَرَكَتَهُ لَا تُوجِبُ كَرَاهَةَ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَلَا مِنْ الْمَاءِ الّذِي يَجْرِي عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ. وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ غَسّانَ:

وَقَدِمُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ وَهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَسْلَمُوا وَقَالُوا: لَا نَدْرِي أَيَتْبَعُنَا قَوْمُنَا أَمْ لَا؟ وَهُمْ يُحِبّونَ بَقَاءَ مُلْكِهِمْ وَقُرْبَ قَيْصَرَ فَأَجَازَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَوَائِزَ وَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ فَقَدِمُوا عَلَى قَوْمِهِمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَكَتَمُوا إسْلَامَهُمْ حَتّى مَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَدْرَكَ الثّالِثُ مِنْهُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَامَ الْيَرْمُوكِ فَلَقِيَ أَبَا عُبَيْدَةَ فَأَخْبَرَهُ بِإِسْلَامِهِ فَكَانَ يُكْرِمُهُ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ سَلَامَانِ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ سَلَامَانِ سَبْعَةُ نَفَرٍ فِيهِمْ حَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو فَأَسْلَمُوا. قَالَ حَبِيبٌ فَقُلْت: أَيْ رَسُولِ اللّهِ مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ؟ قَالَ الصّلَاةُ فِي وَقْتِهَا ثُمّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا وَصَلّوا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ الظّهْرَ وَالْعَصْرَ قَالَ فَكَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ أَخَفّ مِنْ الْقِيَامِ فِي الظّهْرِ ثُمّ شَكَوْا إلَيْهِ جَدْبَ بِلَادِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ اللّهُمّ اسْقِهِمْ الْغَيْثَ فِي دَارِهِمْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ ارْفَعْ يَدَيْك فَإِنّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إبِطَيْهِ ثُمّ قَامَ وَقُمْنَا عَنْهُ فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا وَضِيَافَتُهُ تَجْرِي عَلَيْنَا ثُمّ وَدّعْنَاهُ وَأَمَرَ لَنَا بِجَوَائِزَ فَأَعْطَيْنَا خَمْسَ أَوَاقٍ لِكُلّ رَجُلٍ مِنّا وَاعْتَذَرَ إلَيْنَا بِلَالٌ وَقَالَ لَيْسَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ مَالٌ فَقُلْنَا: مَا أَكْثَرَ هَذَا وَأَطْيَبَهُ ثُمّ رَحَلْنَا إلَى بِلَادِنَا فَوَجَدْنَاهَا قَدْ مُطِرَتْ فِي الْيَوْمِ الّذِي دَعَا فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تِلْكَ السّاعَةِ. قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ مَقْدَمُهُمْ فِي شَوّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي عَبْسٍ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي عَبْسٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدِمَ عَلَيْنَا قُرّاؤُنَا فَأَخْبَرُونَا أَنّهُ لَا إسْلَامَ لِمَنْ لَا هِجْرَةَ لَهُ وَلَنَا أَمْوَالٌ وَمَوَاشٍ وَهِيَ مَعَايِشُنَا فَإِنْ كَانَ لَا إسْلَامَ لِمَنْ لَا هِجْرَةَ لَهُ فَلَا خَيْرَ فِي أَمْوَالِنَا بِعْنَاهَا وَهَاجَرْنَا مِنْ آخِرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اتّقُوا اللّهَ حَيْثُ كُنْتُمْ فَلَنْ يَلِتْكُمْ اللّهُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا وَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ هَلْ لَهُ عَقِبٌ؟ فَأَخْبَرُوهُ أَنّهُ لَا عَقِبَ لَهُ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَانْقَرَضَتْ وَأَنْشَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَدّثُ أَصْحَابَهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ فَقَالَ نَبِيّ ضَيّعَهُ قَوْمُهُ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ غَامِدٍ:

قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ غَامِدٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَهُمْ عَشَرَةٌ فَنَزَلُوا بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَثْلٌ وَطُرَفَاءُ ثُمّ انْطَلَقُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَلّفُوا عِنْدَ رَحْلِهِمْ أَحْدَثَهُمْ سِنّا فَنَامَ عَنْهُ وَأَتَى سَارِقٌ فَسَرَقَ عَيْبَةً لِأَحَدِهِمْ فِيهَا أَثْوَابٌ لَهُ وَانْتَهَى الْقَوْمُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمُوا عَلَيْهِ وَأَقَرّوا لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ شَرَائِعُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ لَهُمْ مَنْ خَلّفْتُمْ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَقَالُوا: أَحْدَثَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَإِنّهُ قَدْ نَامَ عَنْ مَتَاعِكُمْ حَتّى أَتَى آتٍ فَأَخَذَ عَيْبَةَ أَحَدِكُمْ فَقَالَ أَحَدُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لِأَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ عَيْبَةٌ غَيْرِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدْ أُخِذَتْ وَرُدّتْ إلَى مَوْضِعِهَا فَخَرَجَ الْقَوْمُ سِرَاعًا حَتّى أَتَوْا رَحْلَهُمْ فَوَجَدُوا صَاحِبَهُمْ فَسَأَلُوهُ عَمّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَزِعْتُ مِنْ نَوْمِي فَفَقَدْتُ الْعَيْبَةَ فَقُمْتُ فِي طَلَبِهَا فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ كَانَ قَاعِدًا فَلَمّا رَآنِي فَثَارَ يَعْدُو مِنّي فَانْتَهَيْتُ إلَى حَيْثُ انْتَهَى فَإِذَا أَثَرُ حَفْرٍ وَإِذَا هُوَ قَدْ غَيّبَ الْعَيْبَةَ فَاسْتَخْرَجْتهَا فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ فَإِنّهُ قَدْ أَخْبَرَنَا بِأَخْذِهَا وَأَنّهَا قَدْ رُدّتْ فَرَجَعُوا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرُوهُ وَجَاءَ الْغُلَامُ الّذِي خَلّفُوهُ فَأَسْلَمَ وَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ فَعَلّمَهُمْ قُرْآنًا وَأَجَازَهُمْ كَمَا كَانَ يُجِيزُ الْوُفُودَ وَانْصَرَفُوا.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ الْأَزْدِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ الصّحَابَةِ وَالْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيّ قَالَ سَمِعْت أَبَا سُلَيْمَانَ الدّارَانِيّ قَالَ حَدّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَزْدِيّ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ وَفَدْت سَابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ قَوْمِي عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَكَلّمْنَاهُ أَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ سَمْتِنَا وَزِيّنَا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: مُؤْمِنُونَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّ لِكُلّ قَوْلٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ قَوْلِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ؟ قُلْنَا: خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً خَمْسٌ مِنْهَا أَمَرَتْنَا بِهَا رُسُلُك أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا وَخَمْسٌ أَمَرَتْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِهَا وَخَمْسٌ تَخَلّقْنَا بِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَحْنُ عَلَيْهَا الْآنَ إلّا أَنْ تَكْرَهَ مِنْهَا شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا الْخَمْسُ الّتِي أَمَرَتْكُمْ بِهَا رُسُلِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهَا؟ قُلْنَا: أَمَرَتْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِاَللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ وَمَا الْخَمْسُ الّتِي أَمَرَتْكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا؟ قُلْنَا: أَمَرَتْنَا أَنْ نَقُولَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَنُقِيمَ الصّلَاةَ وَنُؤْتِيَ الزّكَاةَ وَنَصُومَ رَمَضَانَ وَنَحُجّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا فَقَالَ وَمَا الْخَمْسُ الّتِي تَخَلّقْتُمْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالُوا: الشّكْرُ عِنْدَ الرّخَاءِ وَالصّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَالرّضَى بِمُرّ الْقَضَاءِ وَالصّدْقُ فِي مَوَاطِنِ اللّقَاءِ وَتَرْكُ الشّمَاتَةِ بِالْأَعْدَاءِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ ثُمّ قَالَ وَأَنَا أَزِيدُكُمْ خَمْسًا فَتَتِمّ لَكُمْ عِشْرُونَ خَصْلَةً إنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَلَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ وَلَا تَنَافَسُوا فِي شَيْءٍ أَنْتُمْ عَنْهُ غَدًا تَزُولُونَ وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَعَلَيْهِ تُعْرَضُونَ وَارْغَبُوا فِيمَا عَلَيْهِ تَقْدَمُونَ وَفِيهِ تَخْلُدُونَ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَفِظُوا وَصِيّتَهُ وَعَمِلُوا بِهَا.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

رُوِينَا عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ قَالَ كَتَبَ إلَيّ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزّبَيْرِ الزّبَيْرِيّ كَتَبْتُ إلَيْك بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ عَرَضْتُهُ وَسَمِعْته عَلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إلَيْك فَحَدّثْ بِذَلِكَ عَنّي قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيّ قَالَ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَيّاشٍ السّمْعِيّ الْأَنْصَارِيّ عَنْ دَلْهَمَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ دَلْهَمُ وَحَدّثَنِيهِ أَيْضًا أَبِي الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ أَنّ لَقِيطَ بْنَ عَامِرٍ خَرَجَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ. قَالَ لَقِيطٌ فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَقَامَ فِي النّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ أَلَا إنّي قَدْ خَبّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيّامٍ أَلَا لِتَسْمَعُوا الْيَوْمَ أَلَا فَهَلْ مِنْ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ؟ فَقَالُوا لَهُ اعْلَمْ لَنَا مَا يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا ثَمّ رَجُلٌ لَعَلّهُ يُلْهِيهِ حَدِيثُ نَفْسِهِ أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ أَوْ يُلْهِيهِ ضَالّ أَلَا إنّي مَسْئُولٌ هَلْ بَلّغْت أَلَا اسْمَعُوا تَعِيشُوا أَلَا اجْلِسُوا فَجَلَسَ النّاسُ وَقُمْت أَنَا وَصَاحِبِي حَتّى إذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَنَظَرُهُ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدَك مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ؟ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللّهِ. عَلِمَ أَنّي أَبْتَغِي السّقْطَةَ فَقَالَ ضَنّ رَبّكَ بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنْ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلّا اللّهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقُلْت: مَا هُنّ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ عِلْمُ الْمَنِيّةِ قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيّةُ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَهُ وَعِلْمُ الْمَنِيّ حِينَ يَكُونُ فِي الرّحِمِ قَدْ عَلِمَهُ وَمَا تَعْلَمُونَهُ وَعِلْمُ مَا فِي غَدٍ قَدْ عَلِمَ مَا أَنْتَ طَاعِمٌ وَلَا تَعْلَمُهُ وَعِلْمُ يَوْمِ الْغَيْثِ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ أَزِلِينَ مُشْفِقِينَ فَيَظَلّ يَضْحَكُ قَدْ عَلِمَ أَنّ غَوْثَكُمْ إلَى قَرِيبٍ قَالَ لَقِيطٌ فَقُلْتُ لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبّ يَضْحَكُ خَيْرًا يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ وَعِلْمُ يَوْمِ السّاعَةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ عَلّمْنَا مِمّا تُعَلّمُ النّاسَ وَتَعْلَمُ فَإِنّا مِنْ قَبِيلٍ لَا يُصَدّقُونَ تَصْدِيقَنَا أَحَدًا مِنْ مُذْحِجٍ الّتِي تَرْبُو عَلَيْنَا وَخَثْعَمَ الّتِي تُوَالِينَا وَعَشِيرَتُنَا الّتِي نَحْنُ مِنْهَا قَالَ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمّ يُتَوَفّى نَبِيّكُمْ ثُمّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمّ تُبْعَثُ الصّائِحَةُ فَلَعَمْرُ إلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا شَيْئًا إلّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَةُ الّذِينَ مَعَ رَبّك فَأَصْبَحَ رَبّكَ عَزّ وَجَلّ يَطُوفُ فِي الْأَرْضِ وَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلَادُ فَأَرْسَلَ رَبّكَ السّمَاءَ تَهْضِبُ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ فَلَعَمْرُ إلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ وَلَا مَدْفِنِ مَيّتٍ إلّا شَقّتْ الْقَبْرَ عَنْهُ حَتَى تَخْلُفَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ فَيَسْتَوِي جَالِسًا فَيَقُولُ رَبّك: مَهْيَمْ لِمَا كَانَ فِيهِ يَقُولُ يَا رَبّ أَمْسِ الْيَوْمَ لِعَهْدِهِ بِالْحَيَاةِ يَحْسَبُهُ حَدِيثًا بِأَهْلِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَكَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَ مَا تُمَزّقُنَا الرّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسّبَاعُ؟ قَالَ أُنَبّئُك بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللّهِ الْأَرْضُ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مَدَرَةٍ بَالِيَةٍ فَقُلْت: لَا تُحْيَا أَبَدًا. ثُمّ أَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهَا السّمَاءَ فَلَمْ تَلْبَثْ عَلَيْك إلّا أَيّامًا حَتّى أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ شَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَعَمْرُ إلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَكُمْ مِنْ الْمَاءِ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ نَبَاتَ الْأَرْضِ فَتَخْرُجُونَ مِنْ الْأَصْوَاءِ وَمِنْ مَصَارِعِكُمْ فَتَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَيَنْظُرُ إلَيْكُمْ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ يَنْظُرُ إلَيْنَا وَنَنْظُرُ إلَيْهِ؟ قَالَ أُنَبّئُك بِمِثْلِ هَذَا فِي آلَاءِ اللّهِ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَا تُضَارّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا وَلَعَمْرُ إلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ مِنْ أَنْ تَرَوْا نُورَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ لَا تُضَارّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبّنَا إذَا لَقِينَاهُ؟ قَالَ تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةً لَهُ صَفَحَاتُكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَيَأْخُذُ رَبّكَ عَزّ وَجَلّ بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَيَنْضَحُ بِهَا قَبْلَكُمْ فَلَعَمْرُ إلَهِكَ مَا يُخْطِئُ وَجْهُ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ فَأَمّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ وَأَمّا الْكَافِرُ فَتَنْضَحُهُ أَوْ قَالَ فَتَخْطِمُهُ بِمِثْلِ الْحُمَمِ الْأَسْوَدِ أَلَا ثُمّ يَنْصَرِفُ نَبِيّكُمْ وَيَفْتَرِقُ عَلَى أَثَرِهِ الصّالِحُونَ فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنْ النّارِ يَطَأُ أَحَدُكُمْ الْجَمْرَةَ يَقُولُ حِسّ يَقُولُ رَبّك عَزّ وَجَلّ أَوْ أَنّهُ أَلَا فَتَطّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ نَبِيّكُمْ عَلَى أَظْمَأَ- وَاَللّهِ- نَاهِلَةً عَلَيْهَا قَطّ رَأَيْتهَا فَلَعَمْرُ إلَهِكَ مَا يَبْسُطُ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إلّا وَقَعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ يُطَهّرُهُ مِنْ الطّوْفِ وَالْبَوْلِ وَالْأَذَى وَتُخْنِسُ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ فَلَا تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا. قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَبِمَ نُبْصِرُ؟ قَالَ بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتِك هَذِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ فِي يَوْمٍ أَشْرَقَتْ الْأَرْضُ وَوَاجَهَتْ بِهِ الْجِبَالَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَبِمَ نُجْزَى مِنْ سَيّئَاتِنَا وَحَسَنَاتِنَا؟ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالسّيّئَةُ بِمِثْلِهَا إلّا أَنْ يَعْفُوَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا الْجَنّةُ وَمَا النّارُ؟ قَالَ لَعَمْرُ إلَهِكَ إنّ النّارَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ مَا مِنْهَا بَابَانِ إلّا يَسِيرُ الرّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا وَإِنّ الْجَنّةَ لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مَا مِنْهَا بَابَانِ إلّا يَسِيرُ الرّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَعَلَامَ نَطّلِعُ مِنْ الْجَنّةِ؟ قَالَ عَلَى أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّى وَأَنْهَارٍ مِنْ خَمْرٍ مَا بِهَا صُدَاعٌ وَلَا نَدَامَةٌ وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ مَا يَتَغَيّرُ طَعْمُهُ وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَفَاكِهَةٍ وَلَعَمْرُ إلَهِك مَا تَعْلَمُونَ وَخَيْرٌ مِنْ مِثْلِهِ مَعَهُ وَأَزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوَلَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ أَوْ مِنْهُنّ مُصْلِحَاتٌ؟ قَالَ الْمُصْلِحَاتُ لِلصّالِحِينَ. وَفِي لَفْظٍ الصّالِحَاتُ لِلصّالِحِينَ تَلَذّونَهُنّ وَيَلَذّونَكُمْ مِثْلَ لَذّاتِكُمْ فِي الدّنْيَا غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ قَالَ لَقِيطٌ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إلَيْهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ عَلَامَ أُبَايِعُك؟ فَبَسَطَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ وَقَالَ عَلَى إقَامِ الصّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ وَأَنْ لَا تُشْرِكَ بِاَللّهِ إلَهًا غَيْرَهُ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ وَإِنّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ وَظَنّ أَنّي مُشْتَرِطٌ مَا لَا يُعْطِينِيهِ قَالَ قُلْتُ نَحِلّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا وَلَا يَجْنِي امْرُؤٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ فَبَسَطَ يَدَهُ. وَقَالَ لَك ذَلِكَ تَحِلّ حَيْثُ شِئْت وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ إلّا نَفْسُكَ قَالَ فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ ثُمّ قَالَ هَا إنّ ذَيْنَ هَا إنّ ذَيْنَ- مَرّتَيْنِ- لَعَمْرُ إلَهِك مَنْ أَتْقَى النّاسِ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ الْخُدْرِيّةِ أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ بَنُو الْمُنْتَفِقِ بَنُو الْمُنْتَفِقِ بَنُو الْمُنْتَفِقِ أَهْلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَالَ فَانْصَرَفْنَا وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلْ لِأَحَدٍ مِمّنْ مَضَى مِنْ خَيْرٍ فِي جَاهِلِيّتِهِمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ وَاَللّهِ إنّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النّارِ قَالَ فَكَأَنّهُ وَقَعَ حَرّ بَيْنَ جِلْدِ وَجْهِي وَلَحْمِهِ مِمّا قَالَ لِأَبِي عَلَى رُءُوسِ النّاسِ فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ وَأَبُوك يَا رَسُولَ اللّهِ؟ ثُمّ إذَا الْأُخْرَى أَجْمَلُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَهْلُك؟ قَالَ وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللّهِ حَيْثُ مَا أَتَيْتَ عَلَى قَبْرِ عَامِرِيّ أَوْ قُرَشِيّ مِنْ مُشْرِكٍ قُلْ أَرْسَلَنِي إلَيْك مُحَمّدٌ فَأُبَشّرُكَ بِمَا يَسُوءُك تُجَرّ عَلَى وَجْهِكَ وَبَطْنِكَ فِي النّارِ. قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لَا يُحْسِنُونَ إلّا إيّاهُ وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنّهُمْ مُصْلِحُونَ؟ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ بَعَثَ فِي آخِرِ كُلّ سَبْعِ أُمَمٍ نَبِيّا فَمَنْ عَصَى نَبِيّهُ كَانَ مِنْ الضّالّينَ وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيّهُ كَانَ مِنْ الْمُهْتَدِينَ تُنَادِي جَلَالَتُهُ وَفَخَامَتُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى أَنّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ النّبُوّةِ لَا يُعْرَفُ إلّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَدَنِيّ رَوَاهُ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزّبَيْرِيّ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ ثِقَتَانِ مُحْتَجّ بِهِمَا فِي الصّحِيحِ احْتَجّ بِهِمَا إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُحَمّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيّ وَرَوَاهُ أَئِمّةُ أَهْلِ السّنّةِ فِي كُتُبِهِمْ وَتَلَقّوْهُ بِالْقَبُولِ وَقَابَلُوهُ بِالتّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ. فَمِمّنْ رَوَاهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْإِمَامِ أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ وَفِي كِتَابِ السّنّةِ وَقَالَ كَتَبَ إلَيّ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزّبَيْرِ الزّبَيْرِيّ كَتَبْتُ إلَيْك بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ عَرَضْته وَسَمِعْته عَلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إلَيْك فَحَدّثْ بِهِ عَنّي. وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ الْجَلِيلُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ النّبِيلُ فِي كِتَابِ السّنّةِ لَهُ. وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَسّالُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ. وَمِنْهُمْ حَافِظُ زَمَانِهِ وَمُحَدّثُ أَوَانِهِ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيّوبَ الطّبَرَانِيّ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِ. وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ حَيّانَ أَبُو الشّيْخِ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ السّنّةِ. وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ ابْنُ الْحَافِظِ أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ حَافِظُ أَصْبَهَانَ. وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مِرْدَوَيْهِ. وَمِنْهُمْ حَافِظُ عَصْرِهِ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ إسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفّاظِ سِوَاهُمْ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الصّنْعَانِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعِرَاقِ بِمَجْمَعِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدّينِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمّةِ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ الرّازِيّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُتَكَلّمْ فِي إسْنَادِهِ بَلْ رَوَوْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ وَلَا يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا جَاحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسّنّةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَنْدَهْ. السّكُونِ وَالْيَاءِ يَكُونُ قَدْ شَبّهَ الْأَرْضَ بِخُضْرَتِهَا بِالنّبَاتِ بِخُضْرَةِ الْحَنْظَلَةِ وَاسْتِوَائِهَا. وَقَوْلُهُ حِسّ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْإِنْسَانُ إذَا أَصَابَهُ عَلَى غَفْلَةٍ مَا يُحْرِقُهُ أَوْ يُؤْلِمُهُ قَالَ الْأَصْمَعِيّ وَهِيَ مِثْلُ أوه. وَقَوْلُهُ يَقُولُ رَبّك عَزّ وَجَلّ أَوْ أَنّهُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَنّهُ بِمَعْنَى نَعَمْ. وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا كَأَنّهُ قَالَ أَنْتُمْ كَذَلِكَ أَوْ أَنّهُ عَلَى مَا يَقُولُ. وَالطّوْفُ الْغَائِطُ. وَفِي الْحَدِيثِ لَا يُصَلّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُدَافِعُ الطّوْفَ وَالْبَوْلَ وَالْجِسْرُ الصّرَاطُ. وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ رَبّك. مَهْيَمْ: أَيْ مَا شَأْنُك وَمَا أَمْرُك وَفِيمَ كُنْتَ. وَقَوْلُهُ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ أَزِلِينَ: الْأَزْلُ- بِسُكُونِ الزّايِ- الشّدّةُ وَالْأَزِلُ عَلَى وَزْنِ كَتِفٍ هُوَ الّذِي قَدْ أَصَابَهُ الْأَزْلُ وَاشْتَدّ بِهِ حَتّى كَادَ يَقْنَطُ.